لاجئون للمرة الثانية

لاجئون للمرة الثانية

1 مايو 2013

من وطن بديل إلى وطن بديل آخر، ومن اغتراب إلى اغتراب آخر. هذا هو حال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين أتوا إلى مصر ليجدوا انفسهم للمرة الثانية يعيشون النكبة، ويغادرون موطنهم بعد أن فقدوا ممتلكاتهم وأفراداً من عائلاتهم. كانوا يأملون أن تكون مصر وطنهم الثالث، لكنهم فوجئوا منذ اللحظة الأولى بأن لهم وضعاً خاصاً، مختلفاً عن السوريين.

لا يوجد اعتراف رسمي بهم كلاجئين، مما يحرمهم من المساعدات الدولية، ويصعب اجراءاتهم، بينما المسئولية تائهة بين الجهات الدولية والمصرية.

و"الشروق" تدخل عالم اللاجئين الفلسطينيين السوريين، وترصد همومهم وآمالهم، وتبحث عن سبب مشاكلهم .

مفوضية شئون اللاجئين: تسجيل الفلسطينيين خط أحمر.. ومصدر بالخارجية: نرفض إقامة مخيمات لاجئين من أي جنسية

القنصل الفلسطيني: هناك رفض سياسي مصري للاعتراف باللاجئين.. ولا أعرف متى ستحل المشكلة

منظمة حقوقية أوروبية ترصد حالات ترحيل السلطات المصرية للفلسطينيين السوريين.. وحالات أخرى في السجون المصرية

بعض اللاجئين يعمل في المصانع أو على توك توك .. وآخرون ينتظرون الجمعيات الخيرية

كتب - محمد أبوالغيط

"ما كنا نتصور إننا سنخرج من سوريا إلا لفلسطين، لكن اللجوء ورانا ورانا" هكذا يبدأ أبوثائر حديثه بينما يبدو الحزن الشديد على وجهه.

أبوثائر الدمشقي، لاجيء فلسطيني إلى سوريا، يعيش بمخيم اليرموك قرب دمشق. أتى إلى مصر منذ سنة مع أقرانه السوريين، الهاربين من ويلات الحرب والموت والدمار.

"فرحنا بإعلان الرئيس مرسي أن السوري سيعامل نفس معاملة المصري، لأننا في سوريا لا نشعر بالفارق بين السوري والفلسطيني أبداً، وأي قرار يصدر من الحكومة يقول في نصه أنه ينطبق على "السوري ومن في حكمه"، لكن في مصر لم يذكر القرار كلمه "ومن في حكمه"، فظهر الفارق بيننا منذ لحظة الوصول للمطار"

يحمل اللاجيء الفلسطيني "وثيقة سفر" سورية، رغم أن شكلها قريب من شكل الجواز السوري الذي يحمله رفيقه السوري القادم في نفس الرحلة لكن المعاملة تختلف تماماً.

"السوري يدخل مصر بدون مشاكل، والفلسطيني لازم يتأخر" حسب أبو ثائر هناك شروط لقبول مصر دخول اللاجيء السوري الفلسطيني "الشرط الأول أن تكون عائلة كاملة، أب وأم وأبنائهما، لكن لو شاب لوحده يرحلوه على سوريا فوراً"

أما الشرط الثاني فهو أن يكون اللاجيء قادماً من مطار دمشق الدولي وليس من أي مكان آخر " الفلسطينيين الذين هربو عبر الطريق البري للبنان، وبعدها أتو للقاهرة بالطيران، تم رفض دخولهم ورحلوهم"

الترحيل هي أخطر كلمة يمكن أن يسمعها اللاجيء السوري. مخيم اليرموك أصبح ساحة لقتال شرس بين قوات النظام والمعارضة، وانضم بعض الفلسطينيين للقتال مع هذا الطرف أو ذاك.

"لو المصريين بدهم يرحلونا يبقى يقتلونا هون أرحم، الترحيل يعني يستقبلني فرع المخابرات الجوية في مطار دمشق، ولو فضلت عايش أروح على الفرع الفلسطيني في المخابرات العامة يخلصو علي"

|

عانى حوالي 100 ألف فلسطيني يسكنون المخيم من الدمار الرهيب الذي حل بهم، إذ سيطرت قوات المعارضة على جزء كبير من المخيم، فقامت قوات النظام بقصفه بالطائرات والدبابات لتسوي المنازل بالأرض. أبو ثائر يحمل في محفظته صورة للشارع الذي يسكن به وقد تحولت بناياته إلى أطلال ينظر إليها ويقول بحسرة "أنا كنت باشتغل في المقاولات، وحالتي مرتاحة جداً، وعندي عماير كاملة في اليرموك وبره اليرموك، لكن كله راح"

فقد أبوثائر ابن عمه الشاب في انفجار في جامعة دمشق، في وقت مقارب من قصف حيه بمخيم اليرموك، مما دفعه للرحيل من سوريا منذ حوالي عام.

بمجرد وصوله إلى مصر، ذهب إلى مقر المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لينهي ما تصوره إجراءاً سهلاً بتسجيل نفسه كلاجيء، لكنه فوجيء بالرفض القاطع من المفوضية.

"مسئولي المفوضية قالو أن مصر ترفض تسجيل اللاجئين الفلسطينيين، وأن علينا التوجه للخارجية المصرية للاعتراف بنا أولاً"

التسجيل في المفوضية يمنح اللاجيء "الكارت الأصفر" وهو ما يتيح له الحصول على مساعدات مالية وغذائية من المفوضية، كما يتيح للمنظمات الأوروبية والعالمية الداعمة لللاجئين أن تقدم لهم بعض المساعدات.

"بعد 4 شهور حصلت على إقامة مؤقتة بتأشيرة سياحة، أنا لست سائحاً يا مصر، أنا لاجيء" يرتفع صوت أبوثائر.

اضطر أبوثائر لالحاق ابنته بمدرسة خاصة، لأن المدارس الحكومية لا تقبل الطلبة بدون إقامة. كان يظن أن ابنه أسعد حظاً بعد حصوله على الإقامة لكن المصاعب لم تتوقف. "ابني يدرس في الفرقة الرابعة بكلية هندسة دمشق، بعد حصوله على الإقامة تم تسجيله كطالب في السنة الثالثة بجامعة عين شمس، طلبوا منه الانتظار حتى تصدر الجامعة شهادة المعادلة له، وحتى الآن لم تصدر وراحت عليه السنة"

بعد حوالي عام في مصر لم يتلقى فيه إلا مساعدات قليلة من جمعيات خيرية، انتهت كل مدخرات أبوثائر التي تمكن من الخروج بها من سوريا.

"الآن مفيش شغل، مفيش مساعدات، مفيش أي حاجة"

الدخل الوحيد الذي تحصل عليه عائلة أبوثائر حالياً هو من ابنه الذي لم يجد إلا العمل على توك توك.

"صديق ابني يعمل على توك توك أيضاً، طلع عليه ناس ضربوه وسرقو التوك توك . أنا خايف على ابني لكن منين ناكل لقمة عيش؟ بعد أيام العز بقينا شبه الشحاتين . لا حول ولا قوة إلا بالله " تظهر الدموع في عيون أبوثائر.

"اخترت القدوم مع عائلتي إلى مصر، لأنها أم العرب، ولأن الأسعار بها أرخص من لبنان، لكني فوجئت بتعامل السلطات المصرية، وحتى الأسعار ظهر أنها أغلى بكثير من مقدرتنا المادية"

هيثم محمد كان يعيش حياة هادئة، حيث يعمل في المتجر الذي يمتلكه بالقرب من منزله، قبل أن تحل الحرب، وتتعرض منطقته للقصف الذي دمر منزله ومتجره، مما اضطره للقدوم إلى مصر.

"أنا تقدمت للحصول على الإقامة من 3 شهور ونص، كنت بأروح أسأل كل فترة، لكن لأن جوازات بعض من أعرف نالت ختم "تسفير"، بطلت أروح من خوفي أحسن يرحلونا، الترحيل إلى سوريا يعني الموت"

عائلة هيثم تعاني من مشاكل صحية، فزوجته ووالده لديهما متاعب صحية بالعمود الفقري، أما ابنته فأصابها مرض نادر من أمراض ضمور العضلات.

"لأننا بلا اعتراف فلا يوجد لدينا أي رعاية صحية من أي جهة رسمية سواء مصرية أو دولية، وأضطر لإنفاق أموال كثيرة على العلاج في العيادات الخاصة، لكن كل أموالي انتهت الآن"

جانب آخر من المشكلة هو أنه حين حاول علاج ابنته في أحد الدول الأوروبية، ورغم وجود دعوة زيارة من أخيه المقيم هناك، إلا أنهم رفضوا منحه التأشيرة لأنه من غير المؤكد مغادرته للبلاد بعد الزيارة بسبب عدم استقرار وضعه الحالي.

يجيب هيثم على تساؤلنا عن مصدر دخله الحالي، رغم أنه لم يجد عملاً، وأطفاله الثلاثة الصغار لا يعملون باجابة مقتضبة "أعيش على رحمة الله" . يقولها وينظر إلى الجهة الأخرى خجلاً فنفهم كل شيء.

أسوأ نضال في العالم

"صرنا نناضل بس عشان يعتبرونا لاجئين، فيه أسوأ من هيك؟" يقول المحامي عبدالجابر محمد، أحد مسئولي لجنة تنسيق اللاجئين الفلسطينيين السوريين في مصر.

قامت مجموعة من اللاجئين بتأسيس هذه اللجنة، للعمل على التواصل بين من يشتركون في نفس المشكلة، واحصاء عددهم، ومحاولة تقديم المساعدة والدعم لهم.

وحسب احصاءات اللجنة فقد بلغ عدد الفلسطينيين السوريين في مصر حوالي 1200 عائلة، أو10 آلاف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال.

"في لبنان وكالة الأنروا تمنح إعانة شهرية 200 دولار للاجئين الفلسطينيين السوريين، بينما هنا لا نتلقى أي مساعدات من أي جهة إلا من الجمعيات الخيرية المصرية التي تساعد اللاجئين السوريين دون تمييز بينهم وبين الفلسطينيين"

يقدر عبدالجابر الجهود الكبيرة التي بذلتها الجمعيات الخيرية المصرية، فقد كانوا يؤجرون الشقق للاجئين، ويقدمون مساعدات غذائية شهرية، لكن مساعداتهم انخفضت إلى حد كبير حتى كادت تتوقف مع تزايد عدد اللاجئين ونقص التمويل.

"الوضع الحالي هو أن السوريين الفلسطينيين يأتون إلى مصر بأموال محدودة أو بدون أي أموال، ثم لا يجدون أي عمل هنا، وحتى القليلين منهم الذين وجدوا أعمالاً متواضعة، كعمال في مصانع وورش، كانت محدودة الدخل . كيف تعيش أسرة من دخل 800 جنيه في الشهر إذا كان إيجار الشقة فقط 1500 جنيه؟"

يشير عبدالجبار إلى سوء حالة بعض اللاجئين الذين قدموا مؤخراً، حتى أنه زار منازلاً في حي عثمان بالسادس من أكتوبر، لا يوجد بها أي شيء إلا مرتبة على الأرض.

"مشاكل الفلسطيني تبدأ منذ أول خطوة في مطار القاهرة، فلا يتم الموافقة على دخول حاملي وثائق السفر السورية إلا لو كانوا قادمين من دمشق" يشير عبدالجابر إلى حالة تابعها منذ أيام، لفلسطيني يعمل في ماليزيا منذ سنوات، وأتى ليتزوج خطيبته اللاجئة، لكن السلطات المصرية رفضت دخوله .

"حالة أخرى تابعتها كانت لشابين رفضت السلطات المصرية دخولهما وقررت ترحيلهما، لكنهما أصرا على عدم المغادرة، فتم احتجازهما في المطار لمدة 48 ساعة، ومين يرضى يرجع دمشق؟ دمشق يعني الموت، واللي يرفض يرجع السلطات المصرية تحتجزه في المطار أو في السجن"

سمحت سلطات المطار بدخولهما بعد ضغط وإلحاح من اللجنة على السفارة الفلسطينية لتتدخل، "اتصال من السفير الفلسطيني بالخارجية المصرية حل المشكلة في 10 دقائق، لكن اتصاله تأخر يومين، لأن السفارة الفلسطينية لا تهتم بنا . المفروض أن تقوم السفارة الفلسطينية بدورها كممثل شرعي لنا، وكحلقة وصل بالسلطات المصرية لتساعدنا في اجراءاتنا، لكن السفارة لا تقوم بعملها للأسف، ونعاني من تقصير وإهمال مسئوليها"

في الثلاثاء 9 أبريل نظم اللاجئون اعتصاماً أمام مقر مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتقى وفد منهم بمسئولي المفوضية حيث قدموا لهم مذكرة تحمل مطلبهم، لكن أحد مسئولي المفوضية قال لهم "بصراحة الاعتراف بكم خط احمر عند الخارجية المصرية"

قدم اللاجئون مذكرات للخارجية ولرئاسة الجمهورية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة اللأمم المتحدة "الأنروا"، لكن لم يحدث أي تغيير.

"نحن نعرف المصاعب التي تواجه الاقتصاد المصري، ولا نريد أي مساعدات مادية من الحكومة المصرية، كل ما نريده هو امكانية حصولنا كلاجئين على مساعدات من الجهات الدولية، وتسهيل اجراءات إقامتنا في مصر فيما يخص الإقامة والمدارس والمستشفيات"

لذلك قرر الفلسطينيون السوريون تنظيم اعتصام أمام السفارة الفسطينية بالقاهرة صباح يوم الثلاثاء 23 أبريل، تحت شعار "لا تقتلونا مرتين" للمطالبة بمنح السفارة المزيد من الاهتمام لحل مشكلاتهم، عبر تشكل لجنة عمل طواريء مخصصة لهم، وكذلك يطالبون بتدخل السفارة لدى السلطات المصرية لحل مشكلة الاعتراف باللاجئين وتسجيلهم رسمياً لدى مفوضية الأمم المتحدة.

"مسئولي السفارة أخذوا من اللجنة النسخة الوحيدة لقائمة أسماء اللاجئين في مصر التي عملنا عليها بوقت وجهد كبير، ثم فوجئنا برفضهم إعادتها لنا، لذلك أدرجنا إعادة القائمة ضمن مطالب الاعتصام في البيان الذي أصدرناه" يقول عبدالجابر مشيراً إلى أنه في حالة عدم استجابة السفارة لمطالبهم فالخيار الآخر هو مطالبتهم برحيل السفير بعد أن قصر في تنفيذ مهمته.

منظمات أوروبية تحتج

"المنظمات الإغاثية والخيرية الأوروبية تحتاج إلى غطاء رسمي باعتراف السلطات المصرية أو مفوضية اللاجئين بالفلسطينيين السوريين " تقول حنين حسن، فلسطينية تعيش في هولندا حيث تعمل في منظمة "إسرا" الهولندية الخيرية . قدمت حنين إلى مصر من أجل التعرف على مشاكل الفلسطينيين السوريين هنا، لتعود إلى أوروبا وتحاول التعريف بالقضية.

"إذا تم الاعتراف بالفلسطينيين السوريين كلاجئين رسمياً، سيسهل هذا بدء حملة جمع التبرعات والمساعدات الدولية لهم"

تشير حنين إلى الاعتراف بهم كلاجئين أيضاً يمكن أن يسهل من اجراءات موافقة الدولة الأوروبية على منحهم تأشيرات السفر إليها، سواء لزيارة الأقارب في حال تواجدهم هناك، أو للجوء.

"السلطات المصرية تمارس تمييزاً واضحاً ضد الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية، حيث لا تتم معاملتهم على قدم المساواة مع اللاجيء السوري" كان هذا أهم ما ورد في بيان مشترك أصدرته منظمة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مع تجمع "راصد فلسطينيي سوريا" منذ حوالي شهر . قال البيان أن اللاجئ الفلسطيني السوري لا يُسمح له بدخول الأراضي المصرية إلا عبر طريق واحد يصل مطار دمشق الدولي بمطار القاهرة، الأمر الذي يمثل تعقيداً بالغاً في ظل الاغلاق المتكرر لمطار دمشق، أما الفلسطينيين القادمين من تركيا أو لبنان يجري احتجازهم بصورة تعسفية في المطار، قبل أن يتم ترحيل غالبيتهم إلى الوجهة التي قدموا منها.

وذكر البيان أن السلطات المصرية قامت بترحيل الفلسطينيين (س.أ) و (خ.أ) عند وصولهما مطار القاهرة إلى لبنان، حيث رفضت السلطات اللبنانية بدورها استقبالهما وأعادت ترحيلهما إلى مصر مرة أخرى، لينتهي بهما المطاف اليوم في سجن القناطر بمصر، حيث يُحتجز اليوم فيه ثلاثة فلسطينيين آخرين من حملة الوثائق السورية، بينهم قاصر.

البيان اعتبر أن السلطات المصرية تمارس خطئاً فادحاً بحق اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، حين تمنع عملية تسجيلهم كلاجئين مستفيدين من خدمات المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، بحجة أنهم فلسطينيون ويتبعون لولاية الأونروا رغم أن نشاط الانروا غير موجود بمصر، مما يحرم اللاجئين الفلسطينيين من حقهم بالحصول على الإقامة الميسّرة داخل الأراضي المصرية، إلى جانب الحق بالمعونات الغذائية والرعاية الصحية المخصصة للاجئين في أوقات النزاع.

مصر ترفض سياسياً

"إجابة سؤالك ليست عندي، بل عند الخارجية المصرية" هكذا كان رد أحمد أبوغزالة، المسئول الإعلامي لمفوضية شئون اللاجئين بمصر، على تساؤلنا عن سبب رفض منح الفلسطينيين صفة اللاجئين.

"المفوضية تمنح الكارت الأصفر لأي شخص من أي جنسية يطلب تسجيل نفسه كلاجيء، ثم بعدها يكمل اجراءات طلب الإقامة من مصر، لكن الفلسطينيين لهم وضع خاص يمنع ذلك"

يشير أبوغزالة إلى مسئولية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأنروا" عن اللاجئين في لبنان والأردن وسوريا، لكن غياب الوكالة عن مصر بسبب رفض مصر التاريخي لاعتبار الفلسطينيين لاجئين بها هو ما أدى لتفاقم الأزمة.

القنصل العام الفلسطيني في القاهرة، المستشار بشير أبوحطب، بدأ حديثه بإنكار وجود أي مشكلة أصلاً، "الفلسطيني في مصر يعامل كالمصري، ويأخذون إقامات، ونحن نقدم لهم مساعدات"، لكن بعد مواجهته بكلام اللاجئين اعترف بوجود الأزمة، وقال أن السفارة الفلسطينية عقدت اجتماعات مع الخارجية المصرية ومفوضية شئون اللاجئين سعياً لإيجاد حل.

"هناك رفض سياسي من مصر لاعتبار الفلسطينيين لاجئين، وينطبق ذلك على اللاجئين التاريخيين من 48 و 67، وحتى اللاجئين الحاليين القادمين من سوريا"

ورداً على سؤال عن امكانية وجود أفق لاعتراف السلطات المصرية باللاجئين الفلسطيين السوريين، قال أنه لا يمكنه الإجابة على هذا السؤال بنعم أو لا.

بحثاً عن رأي الخارجية التي ألقت كل الأطراف باللوم عليها، اتصلت "الشروق" بالسفير صلاح الوسيمي، مساعد وزير الخارجية لشئون اللاجئين، ورحب بتحديد موعد معه، لكن سكرتيره المسئول عن تحديد الموعد سألنا عن موضوع الحوار، وبعدها فاجئنا بالاتصال قائلاً أن مساعدي وزير الخارجية لا يدلون بأي تصريحات للصحفيين.

مصدر آخر بالخارجية طلب عدم نشر اسمه قال أن موقف مصر تاريخياً مع اختلاف العهود هو رفض الاعتراف باللاجئين الفلسطينيين بها. "مصر رفضت وجود الأنروا منذ عهد عبدالناصر، لكن وقتها لم تكن هناك أي مشاكل لأن الفلسطيني كان يعامل كالمصري بالضبط أمام كل الجهات الحكومية كالمدارس والمستشفيات"

المشاكل بدأت بعد توتر العلاقات مع الفلسطينيين في عهد السادات بعد معاهدة كامب ديفيد، ووصلت ذروتها باغتيال فلسطينيين لوزير الثقافة المصري الكاتب يوسف السباعي، مما جعل التعامل مع الفلسطينيين يحمل محاذير أمنية كبيرة، وخلال السنوات الأخيرة بسبب وضع غزة، وبسبب توجهات الرئيس السابق مبارك، زادت النظرة الأمنية للفلسطينيين في مصر.

"الخارجية لا تتخذ قرارات من تلقاء نفسها، بل دورها هو أن تمثل سياسة الدولة المصرية، وبشكل عام هناك رفض سياسي من كل أجهزة الدولة لاقامة مخيمات لاجئين من أي جنسية على أرض مصر، ورفض بشكل خاص لإيجاد مشكلة لاجئين فلسطينيين هنا"

رحلة الهرب من سجون إسرائيل تنتهي في القاهرة

"العميد حمزة من الفدائيين أبطال الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وهرب من سجونها 3 مرات" يقول محدثنا الفلسطيني السوري الشاب وهو يشير بفخر إلى العميد حمزة يونس، الذي يجلس وسط أقرانه محاطاً بحبهم واحترامهم، مستنداً على عصاه، وعلى سنوات عمره السبعين.

"كأنه انكتب علينا طول العمر نخرج من لجوء للجوء، ومن هروب لهروب" يقول العميد حمزة بينما يحكي قصته.

لم تهرب عائلة العميد حمزة من أرضها، لذلك بعد حرب 48 تم ضم قريتهم إلى إسرائيل، ومنحهم جنسيتها، ليصبحوا من المعروفين باسم "عرب 48" .

فاز حمزة عام 62 ببطولة إسرائيل للملاكمة سن الناشئين، ثم فاز عام 63 ببطولة إسرائيل لملاكمة الوزن الوسط، لكن عنصرية الاسرائيليين ضده كانت من الأسباب التي دفعته لمسيرة العمل الفدائي ضد إسرائيل. تم اعتقاله عام 1964 بتهمة التعامل مع المخابرات المصرية وتمكن من الهرب من سجن عسقلان، ثم تم اعتقاله للمرة الثانية في غزة أثناء قتاله ضد الاسرائيليين في حرب 67 حيث أصيب برصاصة في ساقه، لكنه تمكن من الهرب من مستشفى عسكري. عرضت عليه المخابرات المصرية عبر الرائد إبراهيم الدخاخني - وهو الآن لواء متقاعد - العمل لصالحها رسمياً، لكنه فضل الانضمام إلى الجناح المسلح لحركة فتح وانتقل بين الأردن ولبنان، وشارك في عدة عمليات فدائية، خاصة العمليات البحرية، حتى أنه قام بالسباحة 16 ساعة في أحد العمليات، وكان مقرباً من خليل الوزير، قائد حركة فتح.

تمكت اسرائيل من اعتقاله عام 1972 على شاطيء حيفا بينما كان يقود زورقاً محملاً بالسلاح لرفاقه بالداخل الفلسطيني، وأصدرت المحكمة الاسرائيلية عليه 7 أحكام بالسجن المؤبد، وتم حبسه هذه المرة في سجن الرملة شديد الحراسة، لكنه تمكن عام 74 للمرة الثالثة من الهرب بمساعدة رفيقه في السجن سمير درويش ابن عم الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكان لهذا الهروب وقع كبير في الصحافة الإسرائيلية.

بعد خروج العمل المسلح الفلسطيني من لبنان عام 82 تنقل العميد يونس بين السعودية والجزائر وسوريا، وكتب عام 99 كتابه الشهير "الهروب من سجن الرملة" .

حالياً يعيش العميد حمزة في مدينة 6 أكتوبر، يلتقي مع رفاقه الفلسطينيين على أحد المقاهي، ليحكي للشباب ذكريات أيام النضال مكرراً "كأنه انكتب علينا طول العمر الخروج من لجوء للجوء"