اغتيال فرج فودة

من صفحة محمد ابوالغيط الشخصية على الفيسبوك:
من حوالي سنتين شاركت في تصوير فيلم وثائقي عن اغتيال فرج فودة مع الصديقين العزيزين المخرج كريم حنفي Karim Hanafy والمنتج محمد الغزالي Mohamed Elghazaly

ضمن الضيوف صورنا مع الراحل العظيم الشيخ طه جابر العلواني، رحناله نحمل سؤال محدد عن موقف الغزالي من قتل فرج فودة .. الغزالي اللي مفترض انه من "شيوخ الوسطية"، وخاض معارك فكرية طول حياته ضد السلفيين والتقليديين أبرزها كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث"، لكن الغزالي نفسه شهد في محاكمة قتلة فرج فودة، أنه في حكم المرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق حد الردة، والتهمة التي يجب أن يحاسب عليها الفاعلين ليست القتل، وإنما هي "الافتئات على السلطة"!

الشيخ طه العلواني قال لنا انه ناقش الغزالي والمفاجأة إنه اتفق معه في فتاواه المعروفة بإنكار وجود حد الردة، وقال له أنا معك في أنه ليس للردة حداً لأن "الحدود مُكفرات"، فسأله عن سبب الشهادة العجيبة الي قالها في المحكمة، فقال له "يا أخي طه اللي حصل ان محامي الشباب جائني وقالي حياة هؤلاء الشباب معلقة على كلمة بين شفتيك، فلم أدري بنفسي إلا وأنا أقول ما قلت أمام المحكمة كي لا يكون علي وزر قتلهم"!

رد عليه العلواني: أنت بهذا الموقف لو انقذت رقاب بضع شباب فأنت أهدرت أمامهم دم ألوف من المسلمين قد تجري عليهم فتواك، فرد عليه بأنها كلمة سبقت منه ويسأل الله المغفرة.

أنا مصدق تماماً شهادة العلواني، لكن اللي حصل ان الغزالي حتى توفى لم يكتب علناً أبداً أي مراجعة لهذا الموقف اللي هوا كارثة في حد ذاته، ويبقى كارثة برضه لما نعرف إنه شهد بما يخالف رأيه أصلاً، أو لما نفترض أي تفسير تاني زي إنه قال ذلك للعلواني حرجاً منه!

...

د. طه جابر العلواني معروف على مستوى العالم الاسلامي بموقفه المبكر جداً والحاسم جداً، برفض وجود شيء اسمه "حد الردة" .. أهمية العلواني أنه كل المزايدات التقليدية متنفعش معاه، محدش يقدر يقول ده جاهل، أو علماني ..الخ، الرجل تخرج من المدرسة الأصفيّة الدينية في الفلوجة بالعراق سنة 1954، عمل إماماً لمسجد بالكرادة ببغداد 53 - 69، ثم انتقل إلى مصر وحصل على الدكتوراه من الأزهر تحديداً في تخصص أصول الفقه سنة 73، وعمل بعدها لسنوات طويلة في جامعات ومجمعات فقهية عديدة عبر العالم، منها في السعودية وأمريكا، ونهاية برئاسته معهد الفكر الإسلامي، وأصدر كتباً ودراسات معمقة غاية في الأهمية.

العلواني قال أن أول تعامل مباشر له مع حد الردة حصل لما كان في بلده العراق، لما أفشل حزب البعث بقيادة عبدالسلام عارف سنة 1963 محاولة انقلاب شيوعية، فصدر قرار بإعدام كل اعضاء الحزب الشيوعي العراقي، وعدد المحصور منهم وقتها حوالي 5 آلاف ونصف، منهم المئات في السجن، فالضابط المكلف بالمهمة كان متديناً وتردد أمام ضخامة العدد، فقالوا له أنهم شيوعيين مرتدين واستفتى من تريد من رجال الدين، فسأل أهم مرجعين شيعيين ومفتي السنة بالعراق، فأفتى له الثلاثة أن هؤلاء مرتدين حكمهم القتل.

ثم سأل طه العلواني لأنه كان إمام المسجد الذي يصلي فيه، ليكون سأل اثنين من السنة واثنين من الشيعة، ففند له العلواني الفكرة دينياً وسياسياً، وبالفعل توجه للقصر الجمهوري واعتذر عن التنفيذ، واضطر الرئيس تحت الاحراج لإلغاء القرار.

بعد هذا الموقف شغلت القضية الشيخ العلواني، حتى أصدر كتابه "لا إكراه في الدين" اللي يحوي تأصيل معمق فقهي ونصوصي وتاريخي، ومنه إنه عبر التاريخ الاسلامي استخدم هذا الحد غالبا لدوافع سياسية ضد المعارضين والجماعات الثائرة..

تحميل الكتاب: http://bit.ly/1U0J9GF

...

"حجتنا الخامسة هذه المناظرة هي إحدي ثمار الدولة المدنية التي تسمح لكم بان تناظرونا هنا، ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم .. أعطوني نموذجاً لدولة دينية تسمح بمثل هذه المناظرة"

(أصوات اعتراض حاد من الجمهور)

فرج فودة - في مناظرة شهيرة بمعرض الكتاب عام 1992، بعدها بفترة قصيرة تم قتله، تحديدا في 8 يونيو 1992 ...

من أسخف الأمور إن الموضوع هنا يتحول للنقاش حول كون أفكار فرج فودة صحيحة أم خاطئة، أو حول عظمة أو حقارة شخصه، مما يميع إن الموضوع كله في اللقطة السابقة فقط مش أي حاجة تاني.

ده زي تحويل الكلام عن القبض على المفطرين إلى النقاش حول الحكم الشرعي للمجاهرة بالفطر، أو ان الكلام حول زي المرأة يتحول لنقاش فرضية الحجاب .. السؤال ليس عن الآراء أصلاً، بل عن مسألة "الإجبار".

هل من حق الدولة القبض على المفطر أو تارك صلاة الجماعة؟ هل من حق الدولة أو أي جهة إجبار الفتيات على الحجاب؟ .. والجانب الآخر من السؤال مطروح طبعا: هل من حق الدولة التمييز ضد المنتقبة بمنع دخولها الجامعة؟ هل من حق الشرطة القبض على شخص فقط لأنه ملتحي؟

وخطورة حد الرِدة بالمناسبة عن باقي المسائل، إنها لا تشترط تصريح الشخص، فرج فودة كان يؤكد دائماً علناً وسراً إسلامه واعتناقه القرآن وكل الشعائر الاسلامية، وفي مناظراته يؤكد أن غرض ما يدعو له هو تنزيه الإسلام وتكريمه، ومع كده اعتُبر ببساطة مرتداً، وبمد الخط وصلنا للحظة الحالية حيث تقتل داعش الرفاق السابقين بجهة النصرة، القاعدة شخصيا، لأنهم مرتدين فمابالنا بأي حد تاني!

..

في الفيلم لما جه دور التصوير مع أبوالعلا عبدربه، أحد قتلة فودة، قال إنه لم يقرأ أي كتاب له، ونفذ الاغتيال بناء على أمر من أحد قادة الجماعة الإسلامية - قال اسمه خارج الكاميرا، شخص معروف إلى الآن.

ظاهرة متكررة طبعا، زي من حاول قتل نجيب محفوظ ولم يكن قرأ له في حياته، وزي أي حد قابلته في حياتي متشنج جدا ضد نصر حامد أبوزيد ودائماً يطلعو مقرأوش له كتاباً، بل بالكتير قرأ الردود عليه، لو كان قرأ الردود دي أصلاً يعني.

..

الخلاف حول الآراء والأفكار طبيعي، وسيستمر الخلاف وتبادل الهجوم والشتايم للأبد، ولن تأتي أبداً لحظة سحرية يقتنع بها طرف بمنطق ما يقوله الآخر.. المناظرة الأخيرة دي مثلاً متاحة على يوتيوب: http://bit.ly/1Ohs7ap ، مدتها ساعتين، أنصار فودة شايفين انه تفوق بجدارة، بينما أنصار الطرف الآخر شايفين إن الغزالي ومأمون الهضيبي ومحمد عمارة أبدعوا في تفنيد كلامه وسحقه، رغم ان الطرفين بيسمعو نفس الكلام.

ده طبيعي وعادي، لكن غير الطبيعي هوا ببساطة إن حد يتقتل بسبب هذا (الكلام).

وما يميز فرج فودة تحديداً انه كان الأكثر شجاعة وجرأة في التعبير عن أفكاره وتنزيلها إلى الشارع وليس الأكاديميا أو النخب، مكانش مكانه الجامعة زي نصر حامد أبوزيد، أو معتكف في مكتبته الضخمة بمنزله زي جمال البنا، ولا قاعد في حضن الدولة في مجلس الشورى بالتعيين زي يسار حزب التجمع، ولا يستخدم المصطلحات المعقدة عن تفسير القرآن "بالسيموطيقا" ..

كان الأكثر تبسيطاً وشعبوية، نازل يعافر في مناظرات بالنقابات المهنية وبمعرض الكتاب وبأي مكان، وده في ذروة "الصحوة الاسلامية" حيث يواجه دايما أغلبية الجمهور المتحفز ..

كما كان واضحاً في تبنيه للديمقراطية الكاملة، والتي تشمل حرية الإسلاميين بالمشاركة بالانتخابات أيضاً، وكونها حلاً للإرهاب بجانب الحل الأمني.

..

أتمنى ألا نبقى للأبد في انتظار اللحظة اللي يقتنع بها الكل، نخبوياً وشعبياً، إن من حق أي (مواطن) اعتناق ما يشاء أياً كان، والدعوة لمعتقده، والعمل به في حياته الشخصية، مادام الوسائل هي الكلام والإقناع فقط، وليست الإجبار والرصاص والدم والسجون والتمييز ..

..

تحديث::

أبوالعلا عبدربه ترك مصر وسافر إلى سوريا، وفي مارس 2017 تم الإعلان عن مقتله هناك..

تحديث 2:

الهيئة العامة للكتاب نشرت نسخة كاملة من مناظرة 92 بجودة صوت وصورة أفضل للمرة الأولى:

https://www.youtube.com/watch?v=jsxIvov41y8